Articles

نقطة ومن أول السطر

هل سمعت من من قبل عن أسطورة سيزيف؟

إنها إحدى قصص الميثولوجيا الإغريقية وتحكي أن سيزيف كان بحارًا متعجرفًا وتاجرًا جشعًا وماكرًا لدرجة أنه خدع إله الموت ثاناتوس؛ وهو ما أثار حفيظة زيوس كبير الآلهة فقرر معاقبة سيزيف بالحكم عليه بحمل صخرة ضخمة من سفح الجبل إلى قمته، وما إن يصل إلى القمة حتى تتدحرج الصخرة إلى الوادي ويعيد سيزيف الكرَّة إلى أبد الآبدين.‏

يظن البعض أن هذه أقسى عقوبة قد يتعرض له أي إنسان، فما رأيك بمن يحكم على نفسه بهذا العقاب بكامل ‏إرادته؟
جميعنا -للأسف- قد يكوي نفسه بتلك النيران السيزيفية، ويمضي في حياته مُكبَّلا بالقيود في كل مرة يقرر فيها أن يكرر نفس الخطوات، وينتظر بإصرار موغل في القسوة أن يحصل على نتائج مختلفة!‏

في الكتاب الذي يحمل عنوان «أنت تربيع» والذي كتبه البروفيسور برايس بريتشيت خبير علم النفس وأحد أبرز المتخصصين في مجال ريادة الأعمال، يستهل الكاتب حديثه بهذا المثال:‏
لا بد أنك يومًا ما في أحد المطاعم قد رأيت ذبابة تصطدم بالزجاج ثم ترجع إلى الخلف وتعيد الارتطام تارة أخرى ظنًا منها أنها لو بذلت مجهودًا أكبر ستنفذ من الزجاج، بيد أنها لو حوَّلت مسارها بضعة أمتار ستتمكن من الخروج من الباب بكل أريحية.‏
قبل أن تنعت هذه الذبابة بالحُمق أو الكسل عليك أن تعلم أنك تحاكي هذا الفعل في كل مرة تقرر فيها الاستمرار في نفس النظام الغذائي الذي يعود عليك بالضرر، أو المضي قدمًا في علاقة لا طائل من ورائها، أو مواصلة عمل يستنزف عمرك وطاقتك دون أدنى محاولة منك للتغيير، فما إن يُغلق في وجهك أحد الأبواب حتى تشرع في تجرع كؤوس الحسرة، وتهدر وقتك محملقًا في ذاك الباب الموصد دون النظر إلى ما قد يُفتح لك من أبواب.‏

يحثنا الكاتب إلى إحداث نقلة نوعية كبيرة والتخلي عن التفكير التقليدي بأن المجهود المضاعف سيفضي إلى نجاح هائل، وهنا لا يدعوك إلى تمزيق دفاترك وشج رأس مديرك وتقديم استقالتك، أو يقدِّم لك مسوغًا للتخلي عن التزامك أو إصرارك، بل هي محاولة للحفاظ على طاقتك، وبوصلة لتوجيهها إلى الطريق الصحيح، فلك أن تعلم مثلًا أن شركة سامسونج كانت في بدايتها حانوتًا للبقالة برأس مال لا يتجاوز السبعة وعشرين دولار، بينما كانت شركة بيجو مطحنة للدقيق، أما شركة شيل فقد حوَّلت دفتها من تجارة الخزف والمفروشات إلى تجارة النفط!‏

‏كيف تعرف أنك بحاجة إلى التغيير؟

إذا وجدت وضعك الحالي يثقل كاهلك، وألفيت نفسك تنوء في حاضرك بأعباء مستقبلك فعليك أن تعلم أن استمرارك في ذات الطريق لن يثمر إلا علقمًا، وأنه قد حان وقت التغيير، فالدنيا أكثر رحابة من أن نحصر أنفسنا في أحد أركانها لاعنين الظروف مع أن خياراتنا في الحياة لا تُحصى.‏


‏كيف تسلك الطريق المثالي؟

إليك تلك الخطوات التي تمهِّد لك إحداث نقلة نوعية في حياتك:‏


توقف عن حرث الماء: قد تكون محاولاتك المستميتة في طريق ما إيذانًا بأنه ليس الطريق الأمثل، وأن عليك إعادة التفكير.‏

اهجر تفكيرك النمطي:
أفكارك السابقة وعاداتك القديمة هي دافعك للوصول إلى مكانتك الحالية، لذا يجب اعتنقاء أفكار خلاقة واكتساب عادات جديدة.‏


ابتعد عن المثالية: انتظار الفرصة المثالية لإحداث التغيير لن يجدى فتيلًا، عليك البدء في التغيير الآن وستتضح وجهتك مع مرور الوقت.‏

حاول استغلال مواهبك: كل إنسان لديه موهبة دفينة ولكن قد لا يحالف النجاح كلًا منا في اكتشافها، فالموهبة مع الاجتهاد تؤدي إلى نجاح منقطع النظير.‏

لا تتفاجأ من العوائق: اعلم أن طريقك للنجاح ليس مفروشًا بالورود، ولا تستسلم إذا تناثرت بعض الأشواك في هذا الطريق، فما علت اللآلئ الأعناق إلا بمعاناة الغوص في الأعماق!‏

تحرَّر من مخاوفك: الكثير من الأمور التي نخشى حدوثها ما هي إلا أضغاث أوهام تشكِّلها عقولنا، فاستعن بالله ولا تعجز.‏

حلِّق بتفكيرك: في الخامس والعشرين من مايو سنة 2011 استطاع إيريك ويهينماير اعتلاء قمة إيفريست، قد يبدو ذلك عاديًا للوهلة الأولى، ولكن الاستثنائي هنا هو أنه أصبح أول كفيف يحقق هذا الإنجاز!‏

هذا يدعوك إلى عدم التفكير في المتاح، بل التفكير في الممكن، فالمتاح محدود بينما الممكن لا حد له
وأختم أخيرًا بقول الشاعر محمود درويش: قف على ناصية الحلم وقاتل!‏

ما وراء الترجمة!‏

أتعجَّب من بعض المترجمين الذين ما إن يتسلَّموا الملفات المطلوب ترجمتها، حتى يشرعوا في عملية الترجمة دون بحث عن خلفيات النص لسبر أغواره واستكناه أسراره، مما يُفقِد النص الأصلي رونقه ويحيد به عن هدفه المنشود، وبالمثال يتضح المقال.‏

في إحدى ورش الترجمة الجماعية عُرِض علينا نص لترجمته، بدا النص بسيطًا للوهلة الأولى، ولكنه كان يحوي فخًا سقط فيه الكثيرون. فحاول معي ترجمة الجمل التالية:‏

"My student Bill, standing proud, is a fine example for the crowd"
"My student Annie, standing proud, is a fine example for the crowd"
"My student Jenny, standing proud, is a fine example for the crowd"

قد تذعِن للجملة الإنجليزية -كما فعل معظم المتدرِّبين- وتترجمها كالتالي: «طالبي بيل الذي يقف فخورًا، هو مثال جيد للحشد»‏.

لا شك أنها جملة صحيحة من الناحية اللغوية، ولكنها لم تحقق غرض النص الذي تكتشف ببعض البحث أنه يدور حول معلِّم يريد أن يشرح لبعض الأطفال معنى «المتغير» في البرمجة، وهو عنصر ينوب عن قيمة قابلة للتغيير، ويهدف المعلِّم إلى توضيح ذلك ببيت شعري يستخدم فيه اسم الطلبة لإضافة مزيد من المتعة والتشويق للعملية التعليمية، ولا يتغير في ذلك البيت سوى اسم الطالب.‏

بعد معرفة ما وراء هذا النص، يعترض طريق الترجمة عقبتان: الأولى هي الحفاظ على نفس القافية، والثانية هي ضبط البيت الشعري بحيث لا يكون فيه سوى متغيِّر واحد -وهو اسم الطالب- ليتسنى لنا استخدام أي اسم دون أن تتأثر القافية، وهنا تكمن المشكلة ويحدث الصدام بين الإنجليزية والعربية.
لاحظ الترجمة التالية:‏
‏«تلميذي بيل الذي يشعر بالتقدير، هو خير مثال للجماهير»‏
‏«"تلميذتي آني التي تشعر بالتقدير، هي خير مثال للجماهير»‏

تخطَّى ذلك المترجم أولى العقبتين وهي الحفاظ على القافية، ولكنه وقع في الشَرَك الثاني إذ لم يحافظ على نفس المتغير في حالتي المذكر والمؤنث وبذلك قد أخلَّ بهدف الدرس.‏
ويكون الحل في تلك الحالة هو توحيد نوع المتغيِّر إما مذكر أو مؤنث وتغيير أسماء الطلاب في الأمثلة؛ لأن اللغة العربية تختلف عن الإنجليزية التي لا تعرف التذكير والتأنيث في الصفات، فنغيِّر آني إلى مايكل مثلًا وجيني إلى جون، وبهذا نتخطى عقبتي القافية والمتغيِّر. يتطلب هذا الحل بعض الجرأة من المترجم بالطبع، بالإضافة إلى التفاهم مع العميل الأجنبي الذي ليس له إطِّلاع على قواعد اللغة العربية.‏

ولكن يوجد حل آخر أكثر عبقرية جادت به قريحة إحدى المترجمات، وهو تأليف بيت شعري لا يتأثر بالمتغيِّر مذكرًا كان أم مؤنث، مثل البيت التالي:‏
‏«وقف طلاب الفصل باسمين، وبيل آخر الواصلين»‏
‏«وقف طلاب الفصل باسمين، وآني آخر الواصلين»‏

قد يقول قائل أن المعنى قد تغيَّر في آخر بيت، ولكن ليس معنى البيت هو المطلوب يا عزيزي كما أسلفنا، فالهدف هو توضيح معنى المتغيِّر للطلاب في سياق شعري، وقد نجحت هذه الترجمة في ذلك بامتياز. والآن أخبرني ما اقتراحاتك لترجمة تلك الجُمَل؟‏

إنجازات صغيرة

منذ عدة أيام خضت تجربة لعلها من أمتع التجارب التي تعرضت لها في الآونة الأخيرة، إذ عقد الأستاذ محمد سعيد ورشة تدقيق لغوي لملف كان قد أسنده إلينا آنفًا، وكان أسلوب المناقشة قائم على الإقصاء الفردي أو خروج الخاسر كما في المسابقات الرياضية، حيث يبدأ أحد المتدربين قراءة الملف من بدايته مع رصد الأخطاء اللغوية التي لاحظها وما إن يتجاوز خطأ دون انتباه، فإنه يخرج من المنافسة ويحل محله متدرب آخر ويعيد الكرَّة إلى أن يأتي من يتخطَّى جميع تلك الألغام اللغوية ويفلت من شِراك الأخطاء النحوْية.‏

بعض الزملاء لم يلبث في المناقشة إلا ثوانٍ معدودة، وبعضهم كان كقائد سفينة في بحر هائج تصطخب أمواجه وتهدر أعماقه وينتشر رذاذه، يميل الزميل دفة سفينته يَمنة ويَسرة محاولًا اتِّقاء تلك الأمواج حتى تعصف به موجة مباغتة وتطرحه خارج المناقشة!‏

استمرت المناقشة لمدة ساعتين تقريبًا حتى حان دوري، أبلى زميلي السابق بلاءً حسنًا ولكنه صبَّ جل تركيزه على تلك الأخطاء الجسيمة ولم ينتبه إلى مفعول به كان مرفوعًا في إحدى الجمل، وفقني الله إلى إدراك ذلك الخطأ وما تلاه من أخطاء حتى وصلت إلى نهاية الملف دونما إخفاق.‏

مثل تلك الإنجازات الصغيرة تُعَد وقودًا للتنور الذي يهبنا الطاقة للمضي قدمًا، ومشكاةً لطريقنا الطويل، ونسيمًا عليلًا وسط لفح الحياة وقيظها.
بما أن هذا اليوم هو اليوم العالمي للغة العربية، أقترح عليكم تلك الكتب التي ساعدتني كثيرًا في تعزيز لغتي العربية، والتي أرجع لاستذكارها بين الفينة والأخرى:‏

‏* ملخص قواعد اللغة العربية – فؤاد نعمة.‏
‏* المعجم الوجيز في الأخطاء الشائعة والإجازات اللغوية – جودة مبروك محمد.‏
‏* عزيزي المحرر: دليلك إلى صياغة احترافية – محمود عبد الرازق جمعة.‏
‏* أخطاء اللغة العربية المعاصرة عند الكتاب والإذاعيين – أحمد مختار عمر.‏
‏* معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة – محمد العدناني.‏

ولا يجب أن ننسى دور القراءة الحرة في إثراء ثقافة المترجم، وصقل قدراته اللغوية، فما آخر كتاب قرأته وأعجبك أسلوب كاتبه وشعرت أنه يسكب شذرات من روحه بين أسطره؟‏‏

إنت معانا ولا مع الناس التانيين؟

هناك نكتة تحكي أن رجلًا قابل مجموعة من قُطَّاع الطرق أثناء سيره في الصحراء، فأوقفوه تحت تهديد السلاح وسألوه بصوت جهورى: «إنت معانا ولا مع الناس التانيين؟» فقال الرجل بمكر ودهاء: «معاكم طبعًا»، فقالوا له ضاحكين: «طب على فكرة بقى إحنا الناس التانيين 😃».‏

حين أرى إعلانًا عن وظيفة ما دون تحديد الخبرة المطلوبة أتذكر هذه النكتة، وفي كل مرة أتقدًّم فيها لفرصة عمل من هذا القبيل -بعد سرد الخبرات والمؤهلات وما استغرقته مسيرتي المهنية من سنوات- يكون الرد تارة:‏

«يا لتلك الخبرات التي تتمتع بها! أعالِمٌ أنت أنهكتك السنون؟ أم فيلسوف يتربص به ريب المنون؟ إننا ما نرغب في وظيفتنا سوى بشاب غرير تخرَّج لتوِّه في الكليَّة، أو طفل لم تظهر بعْدُ أسنانه اللبنية، أو حتى جنين يحظى في بطن أمه بعيشة هنيَّة!».‏

‏‏
وتارة أخرى أتلقى مثل هذا الرد:‏

«كيف تجرؤ على مخاطبتنا أيها التلميذ؟ تالله لقد أزعجنا ما أصدرته رسالتك من أزيز! إننا لا نقبل سوى علماء الأمة وأحبار الزمان دونما تمييز! فهل ألَّفت كتاب تخليص الإبريز؟ طب هل أحرزت مئة هدف في دوري الإنجليز؟ نرجو ألا تظن أن هذا ضرب من التعجيز».‏‏

وهكذا أتقلب بين رافض بدعوى قلة الخبرة أو وفرتها، حتى أقابل إعلانًا ينشر متطلباته عيانًا بيانًا، ويرتضي ناشره ما لدي من خبرات، ونتفِّق معًا على الأتعاب والقرشينات 😅‏‏